رسالة إلى وطني
وطني العزيز لن يختلف أحد على أنك تبقى الملاذ الآمن والحضن الدافئ والمكان الذي لا يمكن القبول بغيره وطن، إنك لست أي وطن فأنت التاريخ والتراث وأنت الجغرافيا والتضاريس وأنت الفكر والقيم وأنت العادات والتقاليد النبيلة، أنت عمان التي ستبقى في الروح والضمير والدم، وأنت الأب الذي علمتنا الأبجديات وتشكلت من خلالك شخصيتنا التي نفاخر بها كونك أنت الأب وأنت المهد واللحد فيبقى حبك عامرا في القلب.
وعندما نتحدث عنك أيها الوطن فنحن لا نخرج عما سبق بل هو حديث الحب والود، لأننا وببساطة العبارة نرجو أن تكون أجمل وأرقى وأعز وطن وعزك وارتقاؤك أيها الوطن يعني لنا الكثير، فنحن إذن لا نبحث عن محامد ومطامع، بل حبك الذي يسري في دمنا ويسكن قلوبنا واعتزازنا بك الذي بلغ الآفاق، ولن نرضى لك إلا المجد وأنت أهل له وأنت حقيقة الأمجاد وأنت النهضة الكبرى التي أشار لها العالم في شرقه وغربه، ولا ضير أن تعتريك الهموم شأنك شأن جميع الأوطان، فهموم الأوطان واردة وأنت أيها الوطن لست معصوما من الهموم والعقبات التي لن تحجب عنك الشمس وقد عهدناك طوال تاريخك قويا عظيما شامخا، وليس بعيدا عنا تاريخ الآباء إن أردنا أن نستطلع منهم ما مضى في سياق حياتهم على أرضك أيها الوطن، ولكن حب الوطن وفدائيته كانت فوق كل شيء، فحافظوا على القيم رغم كل المحن وأعظمها حقيقة حبك أيها الوطن، فهي لا تشترى ولا تباع وهي تعلو وتسمو فوق كل القيم، وقد كانت وما زالت بإذن المولى باقية شامخة عزيزة في هذا الشعب من رأس مسندم الشامخ وإلى رأس ضربة علي في جبال ظفار، تعانق الأمجاد والشموخ والكبرياء إذن لا خوف عليك أيها الوطن ولكن طموحنا فيك لن يتوقف وأنت اعلم منا بنفسك فلديك كل العوامل والعناصر والمؤهلات لا سيما إذا كانت قيادتك بحجم ومقام صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وهذا وحده يكفي فما بالك إن كنت أنت الوطن الماجد والشعب الواثق تجمع بين جنباتك تلك الأسس والمقومات.
ولو تحدثنا عن همومك فنحن لا ننوي التشهير حاشا ولكن نقصد التنويه إلى بعض الرواسب والأتربة التي نحن جميعا سنعمل على إزالتها عن طريقك وليست هي أكثر من عوامل تعرية لا بد أن تكون مع مضي السنين والأيام وليست هي سوى حالة تجديد وتحديث لرؤى مستقبلية أيها الوطن، إذن هي حالة لابد منها ونبحث عنها وقد تحقق الكثير وما زالت آمالنا في المزيد من التطوير والخطط المستقبلية لجميع مناحي الحياة الوطنية، سواء منها ما يتعلق بالاقتصاد وفتح آفاق أرحب من الاستثمار لتعم كل أصقاعك من الداخل إلى الساحل ومن الشرق إلى الغرب ليعم الخير والاستقرار لمختلف أبنائك ولتتنوع مشاريع المستقبل ومجالات العمل في كل مناطقك، لتحتضن وتستوعب الكثير من الباحثين عن عمل في مناطقهم وتعزز الدخل الوطني، كما يبقى أيضا دور مؤسسي هام لقطاع الاستثمار والشركات الكبرى المستفيدة من العمل في رحابك أيها الوطن بما يتوجب عليهم من مسؤولية اجتماعية لبناء ودعم أنشطة المجتمع المحلي والمساهمات الأهلية من قبل جميع المؤسسات صاحبة امتياز العمل في مناطق السلطنة عامة، وهذا دور مهم يجب الاضطلاع به من أبناء المجتمع لتكون هذه المؤسسات مساهمة في البناء والتنمية، ولا يختلف الحال في المجال السياسي أيضا والذي يتواكب مع الاقتصاد، ففي ضوء التوجيهات السامية المتعلقة بتوسيع الصلاحيات لمجلس عمان والتي بالفعل تعد روزنامة العمل الوطني فان المؤمل أن تكون بالكيفية الفعلية الحقيقية من المراقبة والمشاركة في التشريع وصناعة القرار ولن أتدخل في التفاصيل التي يتمناها كل من يحمل اسم هذا الوطن، ولكن بإذن الله ستكون فاتحة خير على الوطن في المستقبل.
إن هذه المنطلقات ليست سوى شكر للانجازات التي تحققت ورغبة في تجديد النهضة المباركة، لذا لن نستسيغ البطء عندما تتحرك عجلة الوطن ونحن اليوم ننوه بأننا لا بد أن نتحرك باستمرار ونضع الأيادي مجتمعة مصوبة باتجاه حياة أفضل لك أيها الوطن، وقد تحقق بالفعل الكثير مما نأمله بفضل قيادتك الرشيدة أيها الوطن وذلك بحمد الله قبل كل شيء، ولكننا نعود من جديد للتأكيد على المسارعة في تحقيق الرؤية الوطنية المستقبلية في جميع قطاعاتك الكبرى وذلك من أجل مستقبلك أيها الوطن ومستقبل أبنائك وأجيالك القادمة، ونحن اليوم أيها الوطن بحاجة إلى رسم استراتيجيات مستقبلية أكثر من معالجات وقتية خاصة في التعليم العام أو التعليم الجامعي أو الرعاية الصحية أو الشباب والرياضة أو ما يخص شؤون المرأة والطفل أو الرعاية الاجتماعية أو الرعاية الخدمية أو تسهيل الإجراءات الحكومية وتبسيط الإجراءات الإدارية وتسريع العمل الإلكتروني في حكومة وطنية إلكترونية للتخفيف من البيروقراطية المقيتة والتعقيدات المكتبية المؤذية وصولا إلى مجتمعٍ راقٍ مستقرٍ آمن ينعم بالخير من فيضك أيها الوطن.
نعم إن كل المؤسسات الوطنية والخاصة والهيئات الحكومية وغيرها على أرضك أيها الوطن بحاجة إلى مراجعة وتجديد وتحديث زمني مع كل عقد من الزمان بما يتلاءم مع المرحلة القادمة من عمر نهضتك أيها الوطن والتجديد، وخطة تشتمل على مراجعة الأخطاء ورسم الاستراتيجيات المستقبلية التي بتنا بأمس الحاجة إليها في جميع قطاعات العمل الوطني، كما لا يفوتنا أن نذكر أن هناك أعدادا كبيرة من مخرجات التعليم العام والدبلوم والجامعي هي قضية بحاجة إلى من يرسم لها الخطة والآلية المستقبلية الناجعة لاستيعابها واحتضانها وهذه الفئة تتزايد عاما بعد عام وتسبب عبئا كبيرا عليك أيها الوطن وهي في أوسع الحالات لا تتجاوز حدود الخمسين ألفا من أبنائك كل عام ولكنها تنمو وتتكاثر مع مرور الزمن وستسبب عائقا شديدا وهما كبيرا إن لم نحسن رسم استراتيجية خاصة واضحة لهذه المسألة وذلك لتوفير الاستقرار الآمن لهذه الفئة وهي في المجمل العام كغيمة مزن ستهطل في رحابك الخصبة ولن يخرج هذا الدخل بل سيبقى معززا للاقتصاد الوطني، إذن لا بد أن تضع الأسس القويمة لرسم استراتيجية دقيقة حاسمة لهذه الفئة الباحثة عن عمل والمتجددة كل عام وهي أم القضايا والأولى بحسمها عاجلا أيها الوطن، ولا شك أن توسيع هرم مؤسسات الوطن بما يتناسب مع مستقبل أرحب هي خير ضامن لتحقيق انفراج في هذه القضية وخصوصا في مؤسساتك الكبرى أيها الوطن مثل الأجهزة العسكرية والحكومية، وهنا لا نغفل أن مستوى الدخل الفردي ما زال بحاجة إلى تعزيز في الشرائح الأقل من المتوسط، وهنا نسلط الضوء على رفع مستوى الدخل الفردي في زمن أصبحت فيه حمى غلاء الأسعار تأكل الأخضر واليابس وهنا أيضا إشارة هامة للهيئة العامة لحماية المستهلك بثوبها الجديد لتشكيل وضعها المأمول في حماية أبناء الوطن من حمى الأسعار.
بلا شك أن العدالة والمساواة بين أبنائك أيها الوطن هي ملكة جميلة تتملكها الأوطان العزيزة فأنت حاضن الجميع وأبناؤك يجب أن يحظوا بجميع الفرص الخدمية والمنح والعطاءات والمكرمات فأنت الوطن الجامع والقائد الحاضن لجميع أبنائك، وهنا نستميحك عذرا أيها الوطن عندما نتحدث في ذلك فنحن لا نشك لحظة في عدالة وكرم ونزاهة قيادتك التي تتصدى بحكمة واقتدار لكل ما يعيق مسيرتك التنموية، ولكن هي محاولة لتلمس حالة الأبناء عندما تتسلل فيهم الذاتية والمحسوبية الخارجة عن إرادتك، ومن هنا نتطلع نحو نحو جهاز الرقابة المالية والإدارية الذي نأمل أن يقوم بدوره في إنهاء وإلغاء مثل هذه الممارسات التي سببت لنا الانكفاء والملل والضجر من حالة مريرة حان الوقت للقضاء عليها، وإذا ما تحرك هذا الجهاز بما يمثل طموح جميع أبنائك أيها الوطن العزيز فهو كفيل بتحقيق ذلك بإذن الله، ولا بأس في المشاركة الرقابية من مجلس عمان كمؤسسة معززة للحراك الوطني وممثلة لأبنائك أيها الوطن وهذا المجلس محسوبا على أبنائك ولنا فيه الأمل الكبير.
وفق الله جميع أبنائك الأوفياء أيها الوطن في تحقيق الخير والرفاه والعدل والتكاتف والاجتهاد لما فيه الخير الوفير والأمل المشرق والعهد الزاهر المتجدد في خدمتك ولنا الفخر بما يقال عنك والاعتزاز بك فأنت عمان الماضي والحاضر والغد والمستقبل ولنا فيك الأمل وفي جميع أبنائك الغيورين على سمعتك أيها الوطن العزيز ودمت لنا وطن الأمجاد والله يحفظك ويحفظ قائدك وشعبك. والله من وراء القصد.
خميس بن عبيد القطيطي
كاتب عماني